تتعالي الصرخات و تتوالي الآهات وهي تخرج من ذلك الشاب العربي، وهو يشاهد ذلك الرجل طويل القوام عريض الجبهة ضخم الجثة وهو يوسع ذلك الشاب الضعيف الهزيل ضربا و يسقطه أرضا حتى أرداه قتيلا لا حول له ولا قوة، وذلك لأنه ..
لحظة ..
هل انتبهت لما قرأت، أنت لم تكن تقرأ رواية خيالة، ولم تكن تسمع أنشودة حزينة، ولم تكن تشاهد فيلما من أفلام الرعب، ولكنك فى الحقيقة كنت تقرأ حقيقة ما يعانيه الشباب العربي فى هذا الزمان خلال بحثه عن الوظيفة !
فقد كان ذلك الرجل طويل القوام عريض الجبهة ضخم الجثة هو واقع سوق العمل الآن فى عالمنا العربي، و كان هذا الشاب الضعيف الهزيل هو ذلك الشاب العربي في بداية بحثه عن الوظيفة فى سوق العمل، وما كان هذا القتل إلا قتلا لطموح ذلك الشاب و رغبته فى الإبداع، حتى أرداه يائسا محبطا لا هم له إلا أن يأكل و يشرب و يتزوج وكفي، وكل هذا فقط . . . لأن ذلك الشاب توقع شيئا وكان الواقع شئيا أخر، فوقع الشاب فى مستنقع ما بين الواقع و المأمول.
وأما أنت فإذا كنت قد عقدت العزم على العمل و ربطة الجأش على الاجتهاد، فإذن لي أن أطلق عليك سبع طلقات إن نجوت منها فاعتبـر نفسك على الطريق الصحيح وإن لم تنجوا، فضمد جراحك وكف دماءك و عاود نفسك .. وإياك وأن تقتل نفسك و أنت مازلت شابا.
الطلقة الأولى: كن صريحا مع نفسك
كن صريحا مع نفسك وضع نفسك موضع صاحب العمل هل إذا تقدمت إلى نفسك طالبا الوظيفة هل ستقبل أن تعين نفسك، هل تعلم من نفسك من القدرات ما يؤهلك لكي يستثمر فيك رب العمل أمواله، ويضع فيك قوت أولاده، كن صريحا مع نفسك ولا تظن صاحب العمل أبله أو أنه سوف يضيع أمواله من أجلك، فهو إن لم يكن يعلم فيك الكفاءة لم اختارك، وإن لم يكن يعلم فيك الانجاز لم اعتمد عليك، فكن صريحا مع نفسك فأنت الآن صاحب العمل و طالبه، ولا تكن أول خادع لنفسك.
هذه هي الطلقة الأولى، فإذا كانت قد أصابتك فعد إلى نفسك ورتب أوراقك و طور قدارتك واعلم أنك سوف تقدر إن شاء الله، والآن إلى الطلقة الثانية.
الطلقة الثانية: لا تكن غبياً
لا تكن غبيا و وتستعمل الظروف دائما مبررا لك، و الأعذار عونا لك، فلا أنت أول من يطلب العمل، ولا أنت أول من يرغب فى الوظيفة، فلا تكن أول من يبرر لنفسك العجز و أول من يجيز لك الفشل، فدعك من الأوهام وتمسك بالواقع، واعلم أن الواسطة لن تفيد إلا فى المؤسسات الفاشلة وصاحب العمل لن يقبل بالفشل، و ضربات الحظ لا تفيد إلا فى المقامرة ومن يقامر يغامر و القاعدة تقول ” رأس المال جبان ” فلا تنتظر من أحد أن يقامر عليك، وإن كان هذا قد نجح على طائفة ، فلا تنتظر أن تكون منهم، وإذا أردت وسقطت فلا تلومن إلا نفسك.
كيف حالك الآن، أتمني أن تكون بخير ، وإذا لم تكن بخير فاعذرني فلن استطيع أن أمهلك أكثر انتظر مني الثالثة.
الطلقة الثالثة: حدد هدفك
حدد هدفك بكم تريد أن تعمل، بدولار باثنين بعشرة بمائة بألف ، بكم تريد أن تعمل، حددت، جيد إذا كنت صاحب العمل و اضطررت أن تعطي موظفا هذا المبلغ، فماذا تريد منه وماذا تريد أن يتقن؟
- لغة قوية؟
- مهارة عالية؟
- دقة بالغة؟
- علاقات نفاذة؟
- قدرات فعالة؟
- جيد، ماذا تملك منها؟
أنت في هذه اللحظة قد اخترت ماذا تريد، وحددت ماذا تحتاج، فامتلك ماذا تحتاج تحصل على ماذا تريد، وإذا لم تمتلك، فلا تنتظر أن تحصل .. والأمر إليك، فلا تنتظر أن تبحث عن عملك قويما وتأتيه أعرجا، فأنت لا تعيش مع مجموعة من البلهاء.
كيف حالك الآن ؟ .. خذ مني الرابعة
الطلقة الرابعة: لا تسقط فى الوهم
لا تسقط فى الوهم وتقع فى مستنقع الضياع وتظن نفسك تختار عملك بعد أن تتخرج فى الجامعة، فهذا هراء، أنت حقيقة تختار عملك منذ أن بدأت دخول الجامعة، ولك فترة إعداد تساوي سنوات الجامعة، فلا تتركها تضيع منك هباء منثورا، فقلما تجد مثلها مرة أخرى، نعم أنا متفق معك أن لدينا أنظمة تعليمية أقل ما يقال عنها أنها فاشلة، ولكنك تستطيع أن تستغلها فتخرج منها ثمرات يانعة، وتذكر أنك لست وحدك على هذا، ومن يتفوق هو من يتفوق عليها، نعم لدينا عادات محبطة و أساليب مثبطة، ولكن الناجح دائما هو من يتغلب عليها:
لا تحسبن المجد تمرا أنت أكله . . . . لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
انتظر بقى القليل .. إلى الطلقة الخامسة !
الطلقة الخامسة: أين تسير
أين تسير؟ هل لاحظ يوما نفسك أين تيسر ؟ كم من البشر يسيرون معك فى نفس الطريق؟ متى تظن نفسك سوف تصل؟ هل إذا وصلت سوف تسبق أحد ؟
نعم أنا أحدثك أنت، ومازالت أتحدث عن سوق العمل، يظل حالنا وحال الكثيرين أن نتمسك بالمعتاد و نترك المراد، كم من التقنيات تتقن ويتقنها الآلاف مثلك؟ وكم من التقنيات تتقن ولا يتقنها سوى القليلون غيرك؟ لا تسير مع ركب الجمهور وابحث عما يريده أرباب الأعمال، فإن كثر أمثالك لم يختاروك و إن تعدد أقرانك فعلام يريدوك، ولا تظن نفسك يوما قد وصلت فهذا العلم محيط لا ينتهى فاختر منه ما يفيدك، وتدرك جيدا أنك ستعمل به، وإياك أن تفكر يوما أن تحمل دراستك سببا لفشلك، فأنت من اختار وأنت من حدد، وعليك أن تتحمل.
وها نحن قد وصلنا للطلقة السادسة. .. فهل مازالت فيك الروح؟
الطلقة السادسة: أين عزيمتك؟
أين عزيمتك، هل هي فترت أم مازالت تقويك؟ هل هي ضعفت أم مازالت تحميك؟ وتذكر دائما أنك تملك قرارك، وإذا لم تخطط لنفسك فانتظر أن تكون خطة من خطط غيرك، وإذا لم تعمل لهدفك فستكون وسيلة لأهداف الأخرين، وإذا خنت نفسك فلا تنتظر أن يصدقك غيرك، وتذكر دائما:
أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا
وها نحن قد وصلنا أخيرا، فاستعد للسابعة.
الطلقة السابعة: …….
لن أطلقها أنا ولكن ساتركها لك، ساتركها لك لكي تطلقها على ضميرك إذا لم يستيقط و على عزيمتك إذا لم تتأهب، واعلم أن الله لم يهبك ذلك الجسد لكل ترهقه فى المسليات، ولا ذلك العقل لكي تشغله بالتافهات، ولكن قد وهبه الله لك لكي تكون خليفة له فى الأرض، فلا تقبل أن تخون الأمانة، ولا أن تنقض الميثاق، فأنت على عهد ما حييت فلا تقابل ربك به منقوصا.
ختاما:
ما ذكرته لك لم يكن أبدا لمجرد الكلام و لا البكاء على الإطلال، ولكنه إحياء للواقع وذكرا للحاضر، فإنك أن تضئ شمعة خير لك أن تلعن الظلام ألف عام، وأيضا إذا بحثت عن الوظيفة ولم تجدها فلا تلومن إلا نفسك، فأنت من حدد وأنت من اختار.
وأعتذر إليك إذا قسوت عليك بطلقاتي فما أردتها إلا طلقات رحمة أتمني أن توقظك، فربما لا تفيديني كما من الممكن أن تفيدك فأنا مازلت معرض دائما للفشل و النقصان.