من كان يصدق أن يأتي اليوم الذي لا نرى فيه اسم “نوكيا” في سوق الهواتف، تلك الشركة الفنلندية ذات الباع الطويل والتي كانت – يوماً ما – أكبر مصنع للهواتف في العالم وأكثرها مبيعاً، حتى أن هاتفها العتيد Nokia 1100 والذي تم الإعلان عنه في الربع الثالث من عام 2003 مازال حتى الآن – وبعد مرور ما يزيد عن العشرون عاماً – يحتل الصدارة كأكثر الهواتف المحمولة مبيعاً في التاريخ بواقع ما يقرب من 250 مليون وحدة مباعة.
وعلى الرغم من هذا الدرب الطويل من النجاحات وعدد الهواتف المهول الذي اصدرته خلال هذا المشوار فقدت نوكيا الكثير من بريقها مع مرور الوقت، ومع ظهور منافسين جدد وصعود منافسين قدامى أمسى عرشها يهتز شيئاً فشيئاً حتى أصاب نجمها الأفول ولم تعد الخيار الأول للمستخدم كما كانت من قبل.
ومن أحد أسباب هذا التدني الذي أصاب إقبال المستخدمين على استخدام هواتف نوكيا هو سباحتها ضد التيار، ففي وقت ظهور الهواتف الذكية والذي تبنت فيه الشركات الكبرى نظام أندرويد في هواتفها بما يقدمه من مميزات متعددة للمستخدم، انتظر محبي الشركة الفنلندية ظهور أول هاتف بهذا النظام الذي اجتاح العالم، وانتظروا.. وانتظروا.. وطال الانتظار، حتى أعلنت نوكيا عن شراكة مع مايكروسوفت وأنها ستستخدم نظام ويندوز فون من مايكروسوفت في خطوة غير مفهومة، وأصبحت أفضل سلسلة من هواتف نوكيا والتي أطلقت عليها “لوميا” تحمل هذا النظام صاحب الشعبية القليلة في عالم الهواتف.
لا أحد يدري ما الذي دفع نوكيا إلى نبذ نظام أندرويد ومعاندة مستخدميها، أكانت تريد الاختلاف فقط عن بقية الشركات في السوق أم أن هناك سبب أخر؟ لا أحد يدري بالضبط، ولا أعلم لماذا ظلت مصرة على هذا المنهاج على الرغم من وضوح النتائج، فكان من الممكن إرضاء جميع الأطراف وصناعة هواتف بنظام ويندوز وأخرى بنظام أندرويد، وبرغم أنها رضخت لهذا وفعلته في النهاية إلا أنه كان قرار متأخراً جداً.. جداً.
في السنوات الأخيرة بدأت الشركة في تلقي الخسائر العام تلو الأخر وتوالت الصفعة تلو الأخرى لتثبت للشركة بأنها على الطريق الخطأ وأن طبيعة السوق لم تعد كما كانت، وهذا كان يستدعى خطة انتاج مختلفة ومرنة لتجاوز هذا المأزق ولكنها أصرت على المضي قدماً في طريقها كالقطار تالف المكابح، حتى بلغ الأمر مبلغه ولم يكن هناك بد من بيع الشركة وبالفعل تمت واحدة من أشهر صفقات الاستحواذ في الفترة السابقة وهي صفقة بيع قطاع الهواتف بشركة نوكيا إلى شركة مايكروسوفت لمدة عشر سنوات.
هذه الصفقة كانت بمثابة الضربة القاضية للآملين في تغيير نوكيا لرأيها والرضوخ للأمر الواقع وانتاج هاتف مزود بنظام أندرويد، فالشركة أصبحت ملك لمايكروسوفت صاحبة نظام ويندوز وبالتأكيد لن تسمح لشيء كهذا بالحدوث، ولكن المفاجأة أنه قبل اتمام بنود الصفقة وانتقال الملكية كاملة لمايكروسوفت كانت نوكيا تعمل في الخفاء على انتاج أول سلسلة لهواتفها العاملة بنظام أندرويد، لقد فعلتها حقاً، ولكن بعد فوات الأوان.
وحتى بعد الاعلان عن هذه السلسة – في مؤتمر CWM الفائت – الممثلة في ثلاثة هواتف هي Nokia X و Nokia X+ و Nokia XL، اتضح أنها فعلتها ولكن بشروطها، وكأنها في موقف القوي والمسيطر! فقد استخدمت نظام أندرويد معدل تعديلاً ثقيلاً، حتى أنها جعلته أشبه بنظام ويندوز فون الذي تقدمه في بعض هواتفها الأخرى، واستغنت عن خدمات جوجل واستعاضت عنها بخدماتها الخاصة وخدمات مايكروسوفت، مما اصاب من كانوا ينتظرون هذا الهاتف منذ سنوات بالاستياء، وليس هذا كل شيء، بل لقد انتجت هذه السلسلة من فئة الهواتف (الضعيفة – المتوسطة)، وكأنها انتجتها عن غير اقتناع.
ولكن النهاية كانت وشيكة في جميع الحالات وحانت اللحظة المنتظرة وهي لحظة انتقال الملكية كاملة لمايكروسوفت يوم الجمعة 25 أبريل 2014، وكان أول قرار تتخذه مايكروسوفت هو إنهاء هذا الاسم الذي أصبح علامة من علامات الهواتف واستبداله، فمن الآن وصاعداً ستحمل الهواتف الجديدة اسم “Microsoft Phone” بدلاً من “Nokia”، وبالتدريج سيتم إزاحة اسم نوكيا من الأسواق بعدما قررت مايكروسوفت الإبقاء على هذا الاسم لبضعة سنوات أخرى على بعض سلاسل هواتفها الشهيرة مثل Nokia X و Nokia Lumia و Nokia Asha، وقد أكدت نوكيا هذا الخبر في تغريدة من حسابها الرسمي على تويتر رداً على أحد متابعيها.
لا اعتقد أن قرار مايكروسوفت بإنهاء هذا الاسم قرار حكيم، ولا اعتقد أن التسمية الجديدة ستجذب المستخدمين، فإما أن تقدم مايكروسوفت شيئاً جديداً ومميزاً يجبر المستخدمين على شراء هواتفها الجديدة من قطاع نوكيا، وإما أن تبقي على اسم نوكيا مستغلة هذا الاسم قدر الإمكان في الترويج لهواتفها مع معرفة سبب احجام المستخدمين عن شراء الهواتف العاملة بنظام ويندوز فون ومحاولة تغييرها.